عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبادة الرسول عليه الصلاة والسلام
الرسول عليه الصلاة والسلام هو أعظم الناس، وإذا سمعت عن عظيم فاعلم أنك إذا رأيته كان أقل مما سمعت، إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، إنه أعظم وأعظم مما تسمع عنه.
واليوم نتحدث عن جانب العبودية في حياته صلى الله عليه وسلم، كيف عاش عبداً، ما هي عبادته لله، كيف كانت صلاته، كيف كان يصوم، ما هو ذكره لله تبارك وتعالى.
الله عز وجل يمدحه في القرآن بالعبودية في أشرف أحواله صلى الله عليه وسلم، فيقول عنه: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى [الإسراء:1].
ويقول عنه: وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً [الجن:19].
ويقول أيضاً: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً [الفرقان:1].
محمد صلى الله عليه وسلم أعبد الناس لله، وأشدهم له خشية.
يقول الله له: واعبد ربك حتى يأتيك اليقين [الحجر:99]. يعني الموت لا كما قال المنحرفون: اعبد ربك حتى تتيقن بوحدانيته ثم اترك العبادة، وقد كذبوا على الله إنما المعنى: اعبد ربك في الشتاء والصيف، في الحل والترحال، في الصحة والسقم، في الغنى والفقر حتى يأتيك الموت يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً [المزمل:1-5].
يا أيها المزمل قم لإصلاح الإنسان، يا أيها المدثر في لحافه: قم لهداية البشرية، يا أيها المزمل في فراشه: قم لهداية الإنسانية، فقام عليه الصلاة والسلام، ثلاثاً وعشرين سنة، ما نام ولا استراح، أعطى الإسلام دمه ودموعه، أعطى الدعوة ماله وكيانه، أعطى الإسلام ليله ونهاره، فما نام ولا فتر ولا هدأ حتى أقام لا إله إلا الله.
يأتيه الحزن والهم والغم، فيقول: ((أرحنا بها يا بلال)) أي بالصلاة. تأتيه المصائب والكوارث فيقول: ((أرحنا بها يا بلال)) تأتيه الفواجع والزلازل فيقول: ((أرحنا بها يا بلال)) يموت أبناؤه وأحبابه وأصحابه، ويقتل جنوده، ويهزم جيشه، فيقول: ((أرحنا بها يا بلال)).
يقول صلى الله عليه وسلم: ((وجعلت قرة عيني في الصلاة)) ما كان يرتاح إلا إذا قام يصلي، إذا قال: الله أكبر، كبر بصوت تكاد تنخلع لصوته القلوب، فيضع يده على صدره فيكون الله أعظم من كل شيء لأنه الكبير – سبحانه وتعالى – فيقف متواضعاً متبتلاً متخشعاً متذللاً أمام الواحد الأحد.
يقول عبد الله بن الشخير: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء) والمرجل: القدر إذا استجمع غلياناً.
ويقول حذيفة: قام عليه الصلاة والسلام يصلي صلاة الليل بعد صلاة العشاء، قال: فدخلت معه في الصلاة فافتتح سورة البقرة، فقلت يسجد عند المائة، فختمها، فافتتح سورة النساء فاختتمها، فافتتح سورة آل عمران ثم اختتمها، لا يمرّ بآية رحمة إلا سأل الله، ولا بآية عذاب إلا استعاذ بالله ولا بتسبيح إلا سبح، قال: ثم ركع، فكان ركوعه قريباً من قيامه، ثم قام فكان قيامه قريباً من ركوعه، ثم سجد فكان سجوده قريباً من قيامه وركوعه، ثم صلى الركعة الثانية قريباً من الأولى، ما يقارب الست ساعات أو السبع ساعات مع الفقر والجوع، ومع الجهاد في النهار، ومع الزهد، ومع الدعوة إلى الله، ومع تربية الأطفال، ومع شئون البيت، ست أو سبع ساعات وهو يتبتل إلى الله، تفطرت قدماه، وتشققت رجلاه فتقول له زوجته عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله كيف تفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)).
يقول عبد الله بن مسعود: صليت مع رسول الله ، فأطال حتى هممت بأمر سوء. قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه.
الرسول عليه الصلاة والسلام قام ليلة من الليالي فقال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله، ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله، ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله.
يسجد عليه الصلاة والسلام السجدة الواحدة مقدار ما يقرأ الواحد منا خمسين آية، ويركع الركعة الواحدة مقدار ما يقرأ القارئ منا خمسين آية، هذا في صلاة الليل، يدعو ويبكي إلى الصباح، حتى تسقط بردته من على كتفيه، كما في ليلة بدر، يناجي ربه، ويقرأ كتابه، ويتبتل إلى الله؛ لأن العبادة أقرب باب إلى الله.
قال بلال كما روى ابن جرير وابن مردويه: مررت على رسول الله قبل صلاة الفجر، فسمعته يبكي فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي هذه الليلة آيات، ويلٌ لمن قرأها ولم يتدبرها قلت: ما هي يا رسول الله؟ فأخذ يقرأها ويبكي: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار [آل عمران:190-191].
كان عليه الصلاة والسلام يصوم، فيواصل الليل بالنهار، ثلاثة أيام وأربعة أيام، لا يأكل شيئاً فأراد الصحابة أن يواصلوا كما يواصل فقال: ((لا إنكم لستم كهيئتي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)) ، لا يطعمه طعاماً، ولا يسقيه شراباً، إنما حكماً ومعارفاً، وفتوحاتٍ ربانية وإلهامات إلهية.
يصوم صلى الله عليه وسلم في السفر وقد التهب الجو، قال أبو الدرداء كنا في شدة الحر حتى والله الذي لا إله إلا هو، إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة حرارة الشمس، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن رواحة.
يجلس مع الصحابة، فيقول لابن مسعود: ((اقرأ علي القرآن))، فيندفع يقرأ عليه حتى بلغ قوله تعالى: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً [النساء:41]. قال: ((حسبك))، قال ابن مسعود، فنظرت فإذا عيناه تذرفان.
يبكي صلى الله عليه وسلم تواضعاً لله تبارك وتعالى، وشفقة على هذه الأمة.
قالت عائشة رضي الله عنها استفقت ليلة من الليالي فبحثت عن الرسول، عليه الصلاة والسلام، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعبد الخلق لله، وأشدهم له خشية، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك أجهد نفسه في العبادة، في صلاة الليل، في الذكر، في تلاوة القرآن، في التسبيح والتهليل.
فتمسكوا – رحمكم الله – بهديه، وعضوا على سنته بالنواجذ، ففي الأثر الإلهي:
لو جاءوني من كل طريق واستفتحوا علي من كل باب، ما فتح لهم حتى يأتوا خلفك يا محمد.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
: نقل عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم؛ أن المارّ إذا مر بهم في السّحر سمع لبيوتهم دوياً كدوي النحل، من البكاء وقراءة القرآن والدعاء، هذا في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعاءٌ وبكاءٌ ومناجاةٌ وقت السحر،،
روى بن أبي حاتم أنه صلى الله عليه وسلم كان يمر في ظلام الليل يتفقد أصحابه، كيف كانوا يصلون، كيف كانوا يدعون، كيف كانوا يبكون، فسمع عجوزاً تقرأ من وراء الباب وتبكي. عجوز مسنة، تقرأ قوله تعالى: هل أتاك حديث الغاشية [الغاشية:1]. وتبكي، وتعيد الآية وتبكي، فوضع رأسه على الباب وبكى صلى الله عليه وسلم ، وردد الآية ثم قال: ((نعم أتاني، نعم أتاني)).
إن القوي هو القوي في طاعة الله، وإن المفلح هو السائر في طريق الله، وإن المتقدم هو المتقدم إلى مرضات الله، إذا علم هذا فإنه صلى الله عليه وسلم في جانب الذكر كان أكثر الناس ذكراً لله تبارك وتعالى، نفسه ذكر لله، وفتواه ذكر لله، وخطبه ذكر، وكلامه وليله ونهاره وحركاته وسكناته ذكرٌ لله تبارك وتعالى.
قال ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد، قال: ((اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، لك ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت ملك السموات والأرض ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته: ((اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)).
هذا هو الرسول عليه الصلاة والسلام في عبادته، في صلاته وصيامه، في قراءته وذكره، وهو أسوتكم وقائدكم إلى الجنة، ونجاتكم مرهونة باتباعه، وعقدكم وسيركم إذا لم يكن على سنته، فهو الهلاك والدمار، وهو العار والخسار، في الدنيا والآخرة: لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة [الأحزاب:21].
فيا من أراد الجنة، يا من أراد النجاة، يا من أراد الفلاح، يا من أراد الخير والعدل والسلام، والله ليس لك قدوة، لا زعيم ولا رائد، ولا مصلحٌ، ولا إمامٌ، ولا عابدٌ، ولا منقذٌ، ولا معلم، إلا رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أيها الناس:
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً [الأحزاب:56].
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبادة الرسول عليه الصلاة والسلام
الرسول عليه الصلاة والسلام هو أعظم الناس، وإذا سمعت عن عظيم فاعلم أنك إذا رأيته كان أقل مما سمعت، إلا الرسول عليه الصلاة والسلام، إنه أعظم وأعظم مما تسمع عنه.
واليوم نتحدث عن جانب العبودية في حياته صلى الله عليه وسلم، كيف عاش عبداً، ما هي عبادته لله، كيف كانت صلاته، كيف كان يصوم، ما هو ذكره لله تبارك وتعالى.
الله عز وجل يمدحه في القرآن بالعبودية في أشرف أحواله صلى الله عليه وسلم، فيقول عنه: سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى [الإسراء:1].
ويقول عنه: وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً [الجن:19].
ويقول أيضاً: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً [الفرقان:1].
محمد صلى الله عليه وسلم أعبد الناس لله، وأشدهم له خشية.
يقول الله له: واعبد ربك حتى يأتيك اليقين [الحجر:99]. يعني الموت لا كما قال المنحرفون: اعبد ربك حتى تتيقن بوحدانيته ثم اترك العبادة، وقد كذبوا على الله إنما المعنى: اعبد ربك في الشتاء والصيف، في الحل والترحال، في الصحة والسقم، في الغنى والفقر حتى يأتيك الموت يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً [المزمل:1-5].
يا أيها المزمل قم لإصلاح الإنسان، يا أيها المدثر في لحافه: قم لهداية البشرية، يا أيها المزمل في فراشه: قم لهداية الإنسانية، فقام عليه الصلاة والسلام، ثلاثاً وعشرين سنة، ما نام ولا استراح، أعطى الإسلام دمه ودموعه، أعطى الدعوة ماله وكيانه، أعطى الإسلام ليله ونهاره، فما نام ولا فتر ولا هدأ حتى أقام لا إله إلا الله.
يأتيه الحزن والهم والغم، فيقول: ((أرحنا بها يا بلال)) أي بالصلاة. تأتيه المصائب والكوارث فيقول: ((أرحنا بها يا بلال)) تأتيه الفواجع والزلازل فيقول: ((أرحنا بها يا بلال)) يموت أبناؤه وأحبابه وأصحابه، ويقتل جنوده، ويهزم جيشه، فيقول: ((أرحنا بها يا بلال)).
يقول صلى الله عليه وسلم: ((وجعلت قرة عيني في الصلاة)) ما كان يرتاح إلا إذا قام يصلي، إذا قال: الله أكبر، كبر بصوت تكاد تنخلع لصوته القلوب، فيضع يده على صدره فيكون الله أعظم من كل شيء لأنه الكبير – سبحانه وتعالى – فيقف متواضعاً متبتلاً متخشعاً متذللاً أمام الواحد الأحد.
يقول عبد الله بن الشخير: (دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء) والمرجل: القدر إذا استجمع غلياناً.
ويقول حذيفة: قام عليه الصلاة والسلام يصلي صلاة الليل بعد صلاة العشاء، قال: فدخلت معه في الصلاة فافتتح سورة البقرة، فقلت يسجد عند المائة، فختمها، فافتتح سورة النساء فاختتمها، فافتتح سورة آل عمران ثم اختتمها، لا يمرّ بآية رحمة إلا سأل الله، ولا بآية عذاب إلا استعاذ بالله ولا بتسبيح إلا سبح، قال: ثم ركع، فكان ركوعه قريباً من قيامه، ثم قام فكان قيامه قريباً من ركوعه، ثم سجد فكان سجوده قريباً من قيامه وركوعه، ثم صلى الركعة الثانية قريباً من الأولى، ما يقارب الست ساعات أو السبع ساعات مع الفقر والجوع، ومع الجهاد في النهار، ومع الزهد، ومع الدعوة إلى الله، ومع تربية الأطفال، ومع شئون البيت، ست أو سبع ساعات وهو يتبتل إلى الله، تفطرت قدماه، وتشققت رجلاه فتقول له زوجته عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله كيف تفعل هذا بنفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)).
يقول عبد الله بن مسعود: صليت مع رسول الله ، فأطال حتى هممت بأمر سوء. قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه.
الرسول عليه الصلاة والسلام قام ليلة من الليالي فقال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم بكى، ثم قال: ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله، ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله، ويلٌ لمن لم تدركه رحمة الله.
يسجد عليه الصلاة والسلام السجدة الواحدة مقدار ما يقرأ الواحد منا خمسين آية، ويركع الركعة الواحدة مقدار ما يقرأ القارئ منا خمسين آية، هذا في صلاة الليل، يدعو ويبكي إلى الصباح، حتى تسقط بردته من على كتفيه، كما في ليلة بدر، يناجي ربه، ويقرأ كتابه، ويتبتل إلى الله؛ لأن العبادة أقرب باب إلى الله.
قال بلال كما روى ابن جرير وابن مردويه: مررت على رسول الله قبل صلاة الفجر، فسمعته يبكي فقلت: مالك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي هذه الليلة آيات، ويلٌ لمن قرأها ولم يتدبرها قلت: ما هي يا رسول الله؟ فأخذ يقرأها ويبكي: إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار [آل عمران:190-191].
كان عليه الصلاة والسلام يصوم، فيواصل الليل بالنهار، ثلاثة أيام وأربعة أيام، لا يأكل شيئاً فأراد الصحابة أن يواصلوا كما يواصل فقال: ((لا إنكم لستم كهيئتي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)) ، لا يطعمه طعاماً، ولا يسقيه شراباً، إنما حكماً ومعارفاً، وفتوحاتٍ ربانية وإلهامات إلهية.
يصوم صلى الله عليه وسلم في السفر وقد التهب الجو، قال أبو الدرداء كنا في شدة الحر حتى والله الذي لا إله إلا هو، إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة حرارة الشمس، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن رواحة.
يجلس مع الصحابة، فيقول لابن مسعود: ((اقرأ علي القرآن))، فيندفع يقرأ عليه حتى بلغ قوله تعالى: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً [النساء:41]. قال: ((حسبك))، قال ابن مسعود، فنظرت فإذا عيناه تذرفان.
يبكي صلى الله عليه وسلم تواضعاً لله تبارك وتعالى، وشفقة على هذه الأمة.
قالت عائشة رضي الله عنها استفقت ليلة من الليالي فبحثت عن الرسول، عليه الصلاة والسلام، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعبد الخلق لله، وأشدهم له خشية، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك أجهد نفسه في العبادة، في صلاة الليل، في الذكر، في تلاوة القرآن، في التسبيح والتهليل.
فتمسكوا – رحمكم الله – بهديه، وعضوا على سنته بالنواجذ، ففي الأثر الإلهي:
لو جاءوني من كل طريق واستفتحوا علي من كل باب، ما فتح لهم حتى يأتوا خلفك يا محمد.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
: نقل عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم؛ أن المارّ إذا مر بهم في السّحر سمع لبيوتهم دوياً كدوي النحل، من البكاء وقراءة القرآن والدعاء، هذا في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعاءٌ وبكاءٌ ومناجاةٌ وقت السحر،،
روى بن أبي حاتم أنه صلى الله عليه وسلم كان يمر في ظلام الليل يتفقد أصحابه، كيف كانوا يصلون، كيف كانوا يدعون، كيف كانوا يبكون، فسمع عجوزاً تقرأ من وراء الباب وتبكي. عجوز مسنة، تقرأ قوله تعالى: هل أتاك حديث الغاشية [الغاشية:1]. وتبكي، وتعيد الآية وتبكي، فوضع رأسه على الباب وبكى صلى الله عليه وسلم ، وردد الآية ثم قال: ((نعم أتاني، نعم أتاني)).
إن القوي هو القوي في طاعة الله، وإن المفلح هو السائر في طريق الله، وإن المتقدم هو المتقدم إلى مرضات الله، إذا علم هذا فإنه صلى الله عليه وسلم في جانب الذكر كان أكثر الناس ذكراً لله تبارك وتعالى، نفسه ذكر لله، وفتواه ذكر لله، وخطبه ذكر، وكلامه وليله ونهاره وحركاته وسكناته ذكرٌ لله تبارك وتعالى.
قال ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد، قال: ((اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، لك ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد، أنت ملك السموات والأرض ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته: ((اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)).
هذا هو الرسول عليه الصلاة والسلام في عبادته، في صلاته وصيامه، في قراءته وذكره، وهو أسوتكم وقائدكم إلى الجنة، ونجاتكم مرهونة باتباعه، وعقدكم وسيركم إذا لم يكن على سنته، فهو الهلاك والدمار، وهو العار والخسار، في الدنيا والآخرة: لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة [الأحزاب:21].
فيا من أراد الجنة، يا من أراد النجاة، يا من أراد الفلاح، يا من أراد الخير والعدل والسلام، والله ليس لك قدوة، لا زعيم ولا رائد، ولا مصلحٌ، ولا إمامٌ، ولا عابدٌ، ولا منقذٌ، ولا معلم، إلا رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أيها الناس:
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً [الأحزاب:56].
اسلام فتحى- عدد المساهمات : 101
تاريخ التسجيل : 30/09/2013
مواضيع مماثلة
» عفو الرسول صلى الله عليه وسلم
» قصيده في حب الرسول صلي الله عليه وسلم
» الرسول صلى الله عليه وسلم و الشعر
» من وصايا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
» اماكن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
» قصيده في حب الرسول صلي الله عليه وسلم
» الرسول صلى الله عليه وسلم و الشعر
» من وصايا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
» اماكن في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى